انضمت اليوم حاملة المروحيات الثانية " أنور السادات 1020 " إلى شقيقتها الحاملة الأولى " جمال عبد الناصر 1010 " في أسطول القوات البحرية المصرية. وذلك بعد أن شاركت في مناورة " كليوباترا 2 " مع القوات البحرية الفرنسية، وذلك بمثل ماتم مع الحاملة الأولى في يونيو 2016 الماضي.
ويأتي ذلك في إطار خطة التطوير ورفع الكفاءة التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية على قدم وساق للوصول لمستوى التجهيز والتسليح المُتلائمين على التهديدات والمخاطر الناشئة في منطقة الشرق الأوسط، ولمواكبة التطور الهائل في منظومات التسليح العالمية، وللحفاظ على مركزها وتصنيفها المُتقدّم ضمن اقوى وافضل العسكريات في النطاق الاقليمي والعالم.
تُعرف الميسترال أيضا بإسم " سفينة الإبرار والقيادة BPC Bâtiments de Projection et de Commandement " وتُصنّف بشكل أساسي كحاملة للمروحيات " LHD Landing Helicopter Dock "، ولكن بصفة عامة يتم تصنيفها كسفينة هجوم برمائي Amphibious Assault Ship، ودخلت الخدمة لدى البحرية الفرنسية لأول مرة عام 2005 وامتلكت 3 سفن منها .
البحرية الفرنسية لديها تسمية خاصة جدا للميسترال حيث تُعرف لديها بـ" السكين السويسري Swiss Army Knife " ، كدلالة على تعددية استخداماتها ومهامها تماما كتعددية الاستخدامات الخاصة بالسكين السويسرية الشهيرة جدا .
ان سفينة في حجم وامكانيات الميسترال تُمثّل نقلة نوعية غير مسبوقة للبحرية المصرية لتُدخلها بقوة في تصنيف " بحرية المياه الخضراء Green Water Navy " بمعناها الحقيقي، وهي البحرية القادرة على العمل في نطاق سواحل الدولة بجانب أعالي البحار والمحيطات الواقعة في النطاق الاقليمي. وتُعتبر وسطا بين " بحريات المياه البُنّية Brown Water Navy " ( بحرية نهرية وساحلية فقط كالبحرية السودانية مثلا ) و " بحريات المياه الزرقاء Blue Water Navy " ( بحرية المحيطات والمياه العميقة كالبحرية الامريكية والروسية ).
الميسترال تُمثّل الذراع الطولى للبحرية المصرية في نطاق الشرق الأوسط بأكمله، حيث تمنحها القدرة على ابراز واستعراض القوة Power Projection لتحقيق الردع العسكري وفرض الهيمنة الخادمين بشدّة لسياسة الدولة الخارجية.
الميسترال ليست مًجرّد حاملة للمروحيات القتالية والناقلة ولا مُجرّد سفينة ابرار للقوات البرية على السواحل، بل إن مفهومها يتسع ليشمل أعمال القيادة والسيطرة لتوجيه عمليات القوات البحرية والجوية والبرية بفضل ماتملكه من منظومة مُخصصة لهذا الغرض. وكذا اعمال الاغاثة في الكوارث والنكبات كمستشفى عائم مُتخصص مُزوّدة بكافة الامكانيات والقدرات الطبية والعلمية التي تؤهلها لخدمة قرية أو بلدة يبلغ عدد سكانها 25 ألف نسمة، مع قدرة اجلاء واخلاء المدنيين من المناطق المنكوبة بكل سهولة ويُسر.
إن الميسترال تمنح القوات المسلحة المصرية قدرة تنفيذ عمليات الهجوم والإنزال البرمائي على مختلف السواحل التي تبعد آلاف الأميال البحرية عن السواحل المصرية. وليس ذلك فحسب ; بل تُمثّل الخيار الأمثل لتأمين المناطق الاقتصادية الخاصة Exclusive Economic Zone EEZ في البحر المتوسط والبحر الأحمر لحماية حقول الغاز والثروات الطبيعية الواقعة ضمن الحدود الاقتصادية للدولة المصرية، وخاصة مع تصاعد وتيرة الصراع على حقول الغاز في شرق المتوسط وفي ظل وجود لاعبين بارزين لهما اطماعهما ومصالحهما الخاصة كتركيا وإسرائيل.
بل إن الأمر يمتد الى أعمال تأمين الملاحة البحرية والمصالح التجارية في منطقة مضيق باب المندب والتي تؤثر بشكل مباشر على حركة الملاحة في قناة السويس والتي بدورها تُمثّل احد اهم مصادر العملة الصعبة للدولة المصرية، ويأتي كل ذلك وسط حالة من الاضطراب الأمني في المضيق بسبب أعمال القرصنة وسيطرة الحوثيين -بأجندتهم الخاصة ذات النكهة والطابع الايراني- على المناطق الساحلية الغربية في اليمن، وقيامهم مُؤخرا بقصف سفينة دعم لوجيستي تابعة للبحرية الإماراتية بصاروخ مضاد للسفن. مما يُعطي مؤشرا سلبيا للأوضاع في هذه المنطقة شديدة الحيوية لخطوط الملاحة البحرية العالمية.
مُضافا لما سبق، فإن التواجد العسكري للولايات المتحدة وفرنسا والصين واليابان في جيبوتي وتركيا في الصومال واسرائيل وايران في إريتريا، يؤكد وبما لا يدع مجالا للشك بأنه قد آن الأوان للدولة المصرية ان تُثبّت اقدامها في عمقها الإفريقي الجنوبي حيث منابع النيل والجنوبي الشرقي حيث السواحل المُطلة على جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وبمعنى آخر فقد آن الأوان للدولة المصرية ان تتوسع هي الاخرى في المنطقة، فبحكم كونها دولة عربية وإفريقية شرق أوسطية، فإنها أولى بالتوسع في هذه المناطق لتأمين مصالحها في ظل التوجّه الحالي للاعبين الدوليين والإقليميين لتأمين مصالحهم الخاصة، والتي -بكل تاكيد- يتعارض الشق الاعظم منها مع مصالح الدولة المصرية.
ولكن السؤال المُلح والذي يعتصر خلايا المخ الرمادية للقارىء بلا رحمة، وهو : وماذا بعد ؟ هل سيتوقف الأمر على الميسترال وعدد من صفقات التسليح اللاحقة ؟ ام ان الامر سيتخطى الحدود الى ماهو ابعد واخطر من ذلك ؟
في حقيقة الأمر، اذا نظرنا للمتغيرات السياسية والعسكرية الحالية في منطقة الشرق الأوسط، واذا نظرنا لمسار التسليح والتطوير في القوات المسلحة، فلا مراء في أن القيادة السياسية المصرية تضع أعينها على التوسع والوصول لمفهوم الدولة العظمى حتى ان كان على المستوى الاقليمي.
فعندما نرى دعما عسكريا امريكيا غير مسبوق لإسرائيل بما يكفي للاخلال بتوازن القوى في المنطقة، ومُضافا لما يملكه الجيش الاسرائيلي فعليا من ترسانة تسليحية هي الاحدث والافضل والتي تمنحه التفوق النوعي والتكنولوجي على كافة دول المنطقة، وعندما نرى طموحا تركيا غير مسبوق للتوسع اقتصاديا وعسكريا وسياسيا في شرق المتوسط وخاصة شمال سوريا والعراق وفي منطقة القرن الإفريقي نفسها، وخُططا فعلية لامتلاك حاملة طائرات مقاتلة وبناء فرقاطات ومدمرات ثقيلة ومشاريع عسكرية طموحة بشدة للجيش التركي، وعندما نرى توسعا ايرانيا سياسيا وعقائديا حاليا واقتصاديا وعسكريا مُستقبلا، وموقفا سياسيا امريكيا رخوا تجاهها كالذي يضرب امرأة بسواك مُتآكل، في ازدواجية غير مسبوقة في المعايير مع دول الخليج، وعندما نرى دولا حرجت بأكملها من معادلة القوى في المنطقة وربما خروجا بلا رجعة او برجعة لن تكون بمثل ماكانت عليه سابقا، وعندما نرى مشاريعا اقتصادية مصرية عملاقة في قناة السويس والضبعة والفرافرة وسيناء وشرق القاهرة وثروات طبيعية مُتزادية في المتوسط وشمال الدلتا والصحراء الغربية والمثلث الذهبي بالصحراء الشرقية، اذا فبحسبة بسيطة بعد ان نضع انفسنا مكان القيادة السياسية المصرية، سنستنتج ان مانراه من رافال وميسترال وفريم وميج وكاموف، ماهو الا مُجرّد سد لفجوة تسليحية ناشئة على مدار عقد كامل لأسباب عدة يطول شرحها، وان ماتم من صفقات -وعلى ضوء ماسبق- لا يُمثّل الا ماهو نسبته 20% ~ 30% مما هو آت من تطوير وتسليح لمنظومة القوات المسلحة المصرية.
ان الدولة المصرية يقع عليها 3 اعباء رئيسية :
(1) سد فجوة التسليح الحالية وتطوير منظومة القوات المسلحة .
(2) توفير القوة العسكرية اللازمة لحماية المصالح الاقتصادية والتجارية المُتزايدة داخل وخارج حدود الدولة .
(3) سد الفجوة الناشئة في مُعادلة القوة الاقليمية بعد خروج دول بأكلمها من هذه المُعادلة وبما يتناسب مع مايملكه اللاعبين الاخرين من امكانات وقوى تكفي لابتلاع المنطقة بلا رجعة وبلا رحمة.
Thunderbolt
القوات المسلحة المصرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق