شــارلى شــابلـن


ولد شارلي سبنسر شابلن في بريطانيا عام 1889 ، وكان والده يعمل في احد الفرق المسرحية وتوفي وشارلي طفلا والدته  كانت تعمل مهرجة في مسرح بمدينة لندن. بسبب وضعه الأسري لم يتمكن شابلن من تلقي التعليم الأكاديمي إلا لسنتين من حياته ، وتوفي في 25 تشرين الأول/أكتوبر 1977 بمنزله في سويسرا. 
كانت والدته تعاني من نزلة رئوية حادة  ، وكانت تفقد صوتها وهي على المسرح تؤدي وصلتها، ظن شارلي في بداية الأمر وهو يراقبها من خلف الكواليس أن أمه تبتكر مشهدا كوميديا جديدا عندما رآها وهي تحاول النطق ولا تستطيع، أدرك بعد لحظات معاناتها وتذكر مرضها فدخل المسرح مرتجلا أي شيء رقصا وغناء لكي يدخل البهجة في نفوس المشاهدين ولينقذ  أمه المريضة. أندهش مدير المسرح من قابلية شابلن على الارتجال والتمثيل، فوافق على أن يستمر بالعمل في مكان أمه ويتقاضى أجرها إلى أن توفيت.
وفي عام 1903 نجح شابلن في تأدية دور صغير في مسرحية بعنوان رومانطيقية الكوكايين وبعدها في مسرحية شارلوك هولمز ، وظهرت قدرة شابلن على ارتجال أعمال وحركات مثيرة للضحك اعجب بها الجمهور ، ما جعل المخرج الأميركي ويليام جيبلين يسند إلية دور في المسرحية الكوميدية كلاريس في عام 1906.
وفي عام 1910 سافر إلى أمريكا مع فرقة كارنو اللندنية ليقدم عروضه هناك، أما الرحلة الثانية فقد كانت بعد سنتين من ذلك ومع نفس الفرقة ، ليستقر هو وفرقته للعمل هناك متجولا في المدن الأمريكية بتقديم مشاهد كوميدية راقصة كما هو شائع آنذاك . 
في ديسمبر عام 1913 أعجب بأدائه القائمون على ستديو كيستون ومخرجه ماك سينث ، فعرضوا عليه عقدا للعمل معهم في السينما وبأجر قدره 150 دولارا بالأسبوع يقابل أجره في المسرح والذي كان 50 دولار أسبوعيا أيضا، تردد في قبول العرض لأنه لم يقتنع بمستقبل العمل مع هذا الفن الجديد ولكنه حسم أمره بعد ذلك ووافق على العمل معهم بشرط هو أن لا يترك عمله في المسرح مع فرقته فوافقوه على شرطه. ويعد الأجر الذي كان يتقاضاه الأعلى في التاريخ على ممثل كوميدي يعمل في فرقة إنجليزية تقوم بجولة في الولايات المتحدة الأمريكية. بدأ شابلن بإخراج أفلامه منذ عمله في شركة ماك سينت، ومثل خلال تلك الفترة فيلم البحث عن عمل، ليتبعه بعد ذلك بفيلم سباق سيارات الأطفال في فينيسيا وفيلم الملاكم، وفي العام 1915 أخرج فيلم المتشرد وظهرت فيه شخصية شالرو المتشرد وهي الشخصية التي لازمته طوال حياته حيث ارتدى بدلته التي تتكون من بنطالون فضفاض وسترة قصيرة وقبعة مستديرة سوداء وحذاء ضخما بالنسبة إلى حجمه مع رباط قصير للرقبة وعصا وشعرا وشاربا مستعاريين.
وفي خريف عام 1915 تعاقد معه أستوديو ايسناي بأجر أسبوعي قدره 1250 دولار وامتلك عندها السيطرة الكاملة على أفلامه في الإنتاج و الإخراج.وفي السنة التالية يتعاقد مع شركة أخرى بأجر قدره 10,000 دولار أسبوعيا وبعلاوة سنوية قدرها 150,000 دولار.
ويقول عدد من مؤرخو السينما أن النجومية في السينما ظهرت بعد مرور سنيتين مع ظهور شارلي شابلن على شاشات السينما لصبح أسمه يتردد في كل مكان، وملأت الأسواق دمى ولعب للأطفال تمثل شخصيته، اذ لم يكن قبل ذلك يكتب أسم الممثل على لافتات السينما وإعلاناتها، هو الوحيد في ذلك الوقت الذي كانت تعلن الشركات ودور العرض على أن "شابلن هنا".
وفي عام 1917 أي بعد مرور خمس سنوات على عمله في السينما وفي عمر 27 وقع عقدا مع شركة فيرست ناشيونال بمبلغ مليون دولار لتقديم ثمانية أفلام في ثمانية عشر شهرا، وتكونت تلك الأفلام أما من فصل واحد أو فصلين .
ويستمر أجره فى الارتفاع ليصل إلى مليونا دولار سنويا بعد عمله مع شركة يونايتد أرتيستس عام 1923.
وعن الثراء الذي حققته له السينما يقول شابلن في مذكراته أصبحت النقود بالنسبة لي مجرد أرقام لم أستطع لمسها أو التعرف إليها أو حفظها في محفظتي كما كنت أحلم بها سابقا، فقط هي محشورة في دفتر الشيكات بشكل غير مرئي. 
كانت أفلامه تركز على النقد الاجتماعي مثل معالجة مشكلة الإدمان والصراع الاجتماعي بين الغني والفقير ومشاكل المجتمع الصناعي وعلى السياسة.
وقد أحبت الطبقات العاملة واليسارية أفلام شابلن الذي كان يمثل روح الثورة وعدم الخضوع في الوقت الذي كرهته الطبقات البرجوازية التي كان شابلن يسخر منها بشدة في أفلامه.
كان شابلن من خلال شخصية شارلو المشرد يبحث عن مكانته وعن لقمة الخبز وعن الحب والحنان يبحث عما يجعله كائنا بشريا في مجتمع لا يعطيه أي أمل بان يصبح إنسانا.
وغالبا ما كانت تصاحب بعض أعمال شابلن التظاهرات الصاخبة التي تندد بالاستبداد والظلم الاجتماعي.
كان فيلم حياة كلب 1918 أول الأفلام الطويلة ومن مبتكرات هذا الفيلم أنها المرة الأولى التي يعطى فيها دور طويل لحيوان. 
وفي العام 1923 اخرج فيلم المهاجر الذي استوحاه من سفرته الأولى لأمريكا حيث سافر على ظهر سفينة رخيصة تقل المهاجرين الذين يبحثون عن عمل. وجاء بعد ذلك فيلم كتفاً سلاح الذي سخر فيه من الحرب العالمية الأولى.
وفي العام 1925 وضع فيلمه سطوة الذهب حيث حقق فيه واحدا من اكبر نجاحاته الفنية والمالية في وقت كانت السينما قد خرجت من طور الافلام الصامته الامر الذي جعل شابلن يطرح العديد من الاسئلة حول موقع فنه وعن مستقبله في ضوء التقنيات الصوتية واعتبر النقاد أن شابلن وضع جزءا كبير من تساؤلاته وقلقه بخصوص فنه في هذا الفلم.
وفي عام 1928 أخرج فيلمه السيرك ويعتقد النقاد أن شابلن من خلال ذلك الفيلم سعى لسرد سيرته الذاتية ودخوله في عالم السينما حيث جعلته الصدفة غير الإرادية نجما يعجب الجمهور دون أن يكون قد سعى إلى ذلك أو حتى خيل إليه انه قادر عليه. ويضع الفيلم المشاهد أمام إنسان كان في الأصل نتاج مجتمع البؤس والاستعباد لكن الصدفة حولته إلى شيء آخر تماما.
وفي عام 1931 و بعد أن كان الصوت قد دخل السينما قدم شابلن أحد أهم وأشهر أفلامه الصامتة وهو فيلم أضواء المدينة ليعود به للمسة الميلودراما والنقد الاجتماعي اللاذع. حيث يبدأ الفيلم بخطبة عصماء للعمدة حول أزهى اللحظات التي تمر بها المدينة ويزاح الستار عن النصب التذكاري للرخاء والرفاهية ليظهر شارلو نائما تحته بملابسه الشهيرة وحذائه المليء بالثقوب في إشارة واضحة لكذب كل هذه الادعاءات. في هذا الفيلم هناك شخصيتان رئيسيتان الفتاة العمياء التي يقع في حبها ومليونير غريب الأطوار ينقذه شارلو من الانتحار. وتم تصويره في ثلاث سنوات، حتى أن مشهد لقاء شارلو بالفتاة العمياء توقف تصويره ستة أشهر حتى يستطيع شابلن أن يجد طريقة تجعله يوضح أن الفتاة العمياء تظن أن شارلو مليونير من دون استخدام الصوت. واستخدم في تصويره فيلما خاما حجمه 100 ضعف حجم الفيلم النهائي.
وفي عام 1936 قدم شابلن فيلم العصور الحديثة الذي ينتقد فيه بشدة واقع الطبقة العاملة والمجتمع الصناعي من خلال تجسيد شخصية عامل في أحد المصانع على خط الإنتاج استخدم في هذا الفيلم الصوت ولكنه يظل فيلما صامتا بدون حوار.
أما في 1940 فقد قدم شابلن أول أفلامه الناطقة وأبرزها سياسيا وهو فيلم الديكتاتور الذي يجسد فيه شخصية هتلر ، وقد استغرق انجاز الفيلم سنتين وعرض بعد عام على ابتداء الحرب العالمية الثانية في وقت لم تكن أميركا قد دخلت الحرب بعد.
أما فلمه الناطق الثاني فهو مسيو فيردو وأخرجه عام 1947 وهو مأخوذ مسرحية عدو الشعب للكاتب النرويجي هنريك أبسن.
وقد تجلت في الفلم ابتكارات مدهشة لشابلن المخرج في توظيف الصوت بعد ان كان يرفض استخدامه في أفلامه، فقد ظهر لأول مرة استخدام الحوار الداخلي والتعليق على الصورة من خارج الكادر إضافة لاستخدامه الصوت الذي يناقض الصورة أي لينقل معنى آخر مختلف عن ما تتضمنه.
انتهت في هذا الفلم شخصية الصعلوك المتشرد بملابسه الرثة وقبعته وعصاه الشهيرتين، فقد ظهر في هذا الفلم بشخصية مختلفة تماما. وقد كان فيه أمينا لواقعية أبسن التي أشتهر بها هذا الكاتب.
وحقق الفيلم نجاحا كبيرا في كل أنحاء العالم وغالبا ما كانت تصاحبه عندما يعرض التظاهرات الصاخبة التي تندد بالاستبداد والظلم الاجتماعي. وقد ظل ممنوعا من العرض في بعض الولايات المتحدة الأمريكية وكان عندما عرض في ولايات أخرى كانت تخرج الجماعات الدينية المتشددة منددة به تطالب بحرقه علنا.
خلال حياته المهنية اخرج ومثل شارلي شابلن 80 فيلما غالبيتها من الأفلام الصامتة. فقد كان مقتنعا بأن الصمت أفضل وسيلة لعبور الحدود وتخطي حاجز اللغة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق