تبيانٌ :
كثيرون أرسلوا يسألونني عن جزيرتي تيران ( المعروفتين اليوم بتيران و صنافير ) و قد أثارت أسئلتهم شجون أحزاني . . للأسباب التالية :
أولا : هل وصل بنا الهوانُ و الخبلُ العام ، إلى الحد الذي يجعلنا نختلف في البديهيات . . طبعاً ، الجزيرتان مصريتان ، و إلا فما معني بيع مصر أو تأجيرها أو منحها الجزيرتين لبلدٍ آخر أو أسرة حاكمة أو شخص !
ثانياً : حدود البلاد القديمة ، مثل مصر ( المحروسة !) رُسمت مراتٍ لا حصر لها ، و فيما لاحصر له من الخرائط التليدة و العتيقة و القديمة ، التي تشهد رسومها بصحة الحدود . فهل هناك خريطة واحدة ، قبل ظهور النفط ، تقول إن الجزيرتين غير مصريتين .
ثالثاً : هل يصحّ السؤالُ البدهيُّ عن مصرية الجزيرتين ، و صرف النظر عن السؤال الأكثر بداهةً عن الطريقة التي تم بها التنازل عنهما ، أو تأجيرهما أو منحهما مجاناً دون ثمنٍ معلن ، من دون الرجوع الي القطعان و السائمة الساكنين بمصر .
رابعاً : ما هو الأكثر خطراً ، الجزيرتان أم الجسر المزمع انشاؤه لتسهيل مرور القادمين لقضاء " أحلى الأوقات " في شرم الشيخ ، الواجب المسارعة الي تغيير اسمها ليتناسب مع الحال المرتقب . . و الأسماء المناسبة كثيرة ، و يمكننا الاختيار من هذه المقترحات : شرم المتع التي بلا حدود ، بديل البحرين ، دبي 2 ، سرداب اللذات .
و طبعاً ، سوف أدفع ثمن هذا الكلام ، باهظاً . و ربما يعالجونني بعمليةٍ جراحيةٍ عاجلة ، تستأصل من قلبي حبه لهذا الوطن و من عقلي إيمانه بدور المثقف في المجتمع ، أو تأخذني من هذه الحياة الدنيا المتدنيّة ومن تلك الدار الداعرة ، فأستريح .
تبيانٌ ثانٍ :
كأن كثيرين منا لم يرضوا بأن يقف حجم مأساة التفريط فى جزيرتى تيران ( تيران و صنافير ) عند حدود مأساة التفريط فى الجزيرتين ، فأخذوا يصخبون زاعقين . ظناً منهم أن الحقَّ صار اليوم مُحاصراً أو معدوم القدرة و الحيلة أو مرتعداً من خشية البطش ، و بالتالى توهّموا أنه يكفي لإسكاته أىُّ زعيقٍ باطلٍ . لكنهم لا يدركون أن الحقَّ قوىٌّ بنفسه . و كما قال قدماؤنا فإن الحقَّ حقٌّ فى نفسه ، و ليس لإجماع الناس عليه أو تأييدهم له . . ولكن ، ولأننى أُحسن الظن بهؤلاء الصاخبين ولا أتّهمهم فى نواياهم ، فسوف أردُّ على دعاواهم العريضة المتهافتة من دون تعريضٍ بهم . فأقول :
أولاً : تلك المكاتبات و المراسلات التى ظهرت فجأة لإثبات حق الأسرة السعودية فى الجزيرتين ، و للأسف أظهرها المصريون وليس السعوديين ! يظنُّ البعض أنها "وثائق" يؤخذ بها عند اشتجار الخلاف و الاحتكام إلى الوثائق ، لكنهم فى واقع الأمر موهومون غارقون فى لجة الخلط و التخليط ، فشتّان بين "الوثيقة" و بين المراسلات و المستندات المكتبية و الوريقات التى لا حجية لها ولا اعتداد بها إلا عند القوم الساذجين . . فنحن ، إذا أردنا حقاً الاحتكام للوثائق فى مأساة الجزيرتين ، فعلينا مثلا إبراز الأصول العثمانية التى استعدنا بها "طابا" من يد اليهود ، و ليس التلويح بتلك الكتابات الصحفية و الخطابات و الوريقات التى أظهرتها فجأة وزارة خارجيتنا . و إذا أردنا حقاً احترام عقولنا ، لألقينا جانباً تلك الوريقات و المكاتبات و الكتابات الصحفية التى لا تؤازها وقائع فعلية ولا تقترن بها شواهد مؤيدة ، واستمسكنا بالأصول الثابتة من خرائط رُسمت قبل فورة النفط ، و الوثائق التاريخية الواضحة متكاملة الصورة . . بعبارة أوضح : لا احتجاج هنا بوريقات متناثرة أو خرائط مزعومة ، مؤرخة بما بعد سنة 1950 وتفوح منها رائحة النفط .
ثانياً : يزعمون أن هناك اتفاقية موقّعة بين مصر و السعودية تُشرف مصر بموجبها على الجزيرتين ، مؤقتاَ . . و فجأةً ، وبدون مقدمات ، قررت مصر إعادة الحق لأصحابه ! . . فأين كانت هذه الاتفاقية ، و لماذا لم يسمع بها أحدٌ من قبل ؟ و كيف تكون الاتفاقيات الدولية سريةً على هذا النحو المزعوم ؟ و ما الداعى فى تلك الحالة لأخذ مقابل مالى ؟ و هل نأخذ بخبرٍ مرسل كتبه "جورنالجى" اكتسب مكانته باقترابه من الرئيس عبد الناصر، فى الوقت الذى أكد فيه عبد الناصر نفسه مصرية الجزيرتين بأوضح العبارات. . وهل تشهدون على بلادكم بأنها كانت تحتل أرض الآخرين ، بدلاً من الاعتراف بأنها هانت أمام العالمين !
ثالثاً : كيف سنعالج بعد ما اقترفناه ، القضايا و المسائل الحدودية العالقة مثل مسألة "حلايب و شلاتين" إذا كنا نعتد بخرائط لا نعرف مَن رسمها ، و مَن دفع لمن رسمها ، و مَن وضعها جانباً حتى يأتى أوان البهرجة بها . . و بالمناسبة ، فقد رأيتُ خرائط تضع حلايب و شلاتين داخل حدود السودان ، و خرائط أخرى تضع هذه المنطقة داخل حدود مصر ! و كلا النوعين من الخرائط رأيته آخر مرة فى المكتبة المركزية لجامعة الإسكندرية ، و كان معى أستاذ الجغرافيا المعروف " د . فتحى أبو عيانة " و ظل يضحك حين رأى هذه الخرائط و تلك ، فى مكانٍ واحد .
رابعاً : هناك فرقٌ بين الجغرافيا و التاريخ ، و الخرائط التى رسمها المستعمر متضاربة الحدود ، كانت بهدف تشويش التاريخ و خلط الأوراق و تأجيج النزاع عندما تدعو الحاجة إلى ذلك ، أو يكون في الصراع مصلحةً لهذه الدول التى كانت استعمارية . . ومهما كانت قيمة الخريطة ، فهى لا تنفى الثابت من التاريخ . و الثابت من التاريخ أن مصر كانت تملك الجزيرتين من الزمن الأيوبى إلى زمن الرئيس مبارك الذى أصدر قراراً جمهورياً واضحاً ، تم على أساسه إنشاء نقطة شرطة مصرية بجزيرة تيران سنة 1982.
خامساً : إذا كان مبارك ، وهو عند معظم الناس عنوان الفساد و نهب الأرض و التفريط فى العزّة ، لم يفعل مثل هذه الفعلة العجيبة ! و إذا كان الكنيست الإسرائيلى صباح اليوم يناقش اتفاق التنازل المصرى عن الجزيرتين ، فى الوقت الذى لم ير فيه مجلس الشعب المصرى و لا الشعب المصرى هذا الاتفاق ! و إذا كان الناس فى بلادنا يصدمهم دوماً فى الصباح مالم يكن يخطر ببالهم فى الليلة السابقة . . فإلى أين ستنتهى بنا يا ربِّ العالمين هذه الأحوال ، و أين ترسو من بعد العاصفة السفين ؟
أخيراً : الذين ينشرون بين الناس الساذجين أن السعوديين قادمون ليحملوا إلى مصر الخير و المشروعات الاستثمارية و الرخاء ، بعد بناء الجسر ! لم يفسروا لنا الآتى : لقد مدت السعودية جسراً سابقاً إلى "البحرين" و هو المُستعمل من يومه استعمالاً معروفاً "الترفيه عن السعوديين كيلا ينفجروا فى بلاد الكبت" فهل استثمرت السعودية المليارات فى البحرين ؟ . . و من دون الاحتياج للجسور ، هل أنقذت الأسرة السعودية اليمن من فقره باستثمارات مليارية كتلك التى يبشّرنا بها المبشّرون ، أم حوّلته بالحرب إلى خرائب ؟ . . يا قوم ، مالكم كيف تحكمون .
Youssef Ziedan
كثيرون أرسلوا يسألونني عن جزيرتي تيران ( المعروفتين اليوم بتيران و صنافير ) و قد أثارت أسئلتهم شجون أحزاني . . للأسباب التالية :
أولا : هل وصل بنا الهوانُ و الخبلُ العام ، إلى الحد الذي يجعلنا نختلف في البديهيات . . طبعاً ، الجزيرتان مصريتان ، و إلا فما معني بيع مصر أو تأجيرها أو منحها الجزيرتين لبلدٍ آخر أو أسرة حاكمة أو شخص !
ثانياً : حدود البلاد القديمة ، مثل مصر ( المحروسة !) رُسمت مراتٍ لا حصر لها ، و فيما لاحصر له من الخرائط التليدة و العتيقة و القديمة ، التي تشهد رسومها بصحة الحدود . فهل هناك خريطة واحدة ، قبل ظهور النفط ، تقول إن الجزيرتين غير مصريتين .
ثالثاً : هل يصحّ السؤالُ البدهيُّ عن مصرية الجزيرتين ، و صرف النظر عن السؤال الأكثر بداهةً عن الطريقة التي تم بها التنازل عنهما ، أو تأجيرهما أو منحهما مجاناً دون ثمنٍ معلن ، من دون الرجوع الي القطعان و السائمة الساكنين بمصر .
رابعاً : ما هو الأكثر خطراً ، الجزيرتان أم الجسر المزمع انشاؤه لتسهيل مرور القادمين لقضاء " أحلى الأوقات " في شرم الشيخ ، الواجب المسارعة الي تغيير اسمها ليتناسب مع الحال المرتقب . . و الأسماء المناسبة كثيرة ، و يمكننا الاختيار من هذه المقترحات : شرم المتع التي بلا حدود ، بديل البحرين ، دبي 2 ، سرداب اللذات .
و طبعاً ، سوف أدفع ثمن هذا الكلام ، باهظاً . و ربما يعالجونني بعمليةٍ جراحيةٍ عاجلة ، تستأصل من قلبي حبه لهذا الوطن و من عقلي إيمانه بدور المثقف في المجتمع ، أو تأخذني من هذه الحياة الدنيا المتدنيّة ومن تلك الدار الداعرة ، فأستريح .
تبيانٌ ثانٍ :
كأن كثيرين منا لم يرضوا بأن يقف حجم مأساة التفريط فى جزيرتى تيران ( تيران و صنافير ) عند حدود مأساة التفريط فى الجزيرتين ، فأخذوا يصخبون زاعقين . ظناً منهم أن الحقَّ صار اليوم مُحاصراً أو معدوم القدرة و الحيلة أو مرتعداً من خشية البطش ، و بالتالى توهّموا أنه يكفي لإسكاته أىُّ زعيقٍ باطلٍ . لكنهم لا يدركون أن الحقَّ قوىٌّ بنفسه . و كما قال قدماؤنا فإن الحقَّ حقٌّ فى نفسه ، و ليس لإجماع الناس عليه أو تأييدهم له . . ولكن ، ولأننى أُحسن الظن بهؤلاء الصاخبين ولا أتّهمهم فى نواياهم ، فسوف أردُّ على دعاواهم العريضة المتهافتة من دون تعريضٍ بهم . فأقول :
أولاً : تلك المكاتبات و المراسلات التى ظهرت فجأة لإثبات حق الأسرة السعودية فى الجزيرتين ، و للأسف أظهرها المصريون وليس السعوديين ! يظنُّ البعض أنها "وثائق" يؤخذ بها عند اشتجار الخلاف و الاحتكام إلى الوثائق ، لكنهم فى واقع الأمر موهومون غارقون فى لجة الخلط و التخليط ، فشتّان بين "الوثيقة" و بين المراسلات و المستندات المكتبية و الوريقات التى لا حجية لها ولا اعتداد بها إلا عند القوم الساذجين . . فنحن ، إذا أردنا حقاً الاحتكام للوثائق فى مأساة الجزيرتين ، فعلينا مثلا إبراز الأصول العثمانية التى استعدنا بها "طابا" من يد اليهود ، و ليس التلويح بتلك الكتابات الصحفية و الخطابات و الوريقات التى أظهرتها فجأة وزارة خارجيتنا . و إذا أردنا حقاً احترام عقولنا ، لألقينا جانباً تلك الوريقات و المكاتبات و الكتابات الصحفية التى لا تؤازها وقائع فعلية ولا تقترن بها شواهد مؤيدة ، واستمسكنا بالأصول الثابتة من خرائط رُسمت قبل فورة النفط ، و الوثائق التاريخية الواضحة متكاملة الصورة . . بعبارة أوضح : لا احتجاج هنا بوريقات متناثرة أو خرائط مزعومة ، مؤرخة بما بعد سنة 1950 وتفوح منها رائحة النفط .
ثانياً : يزعمون أن هناك اتفاقية موقّعة بين مصر و السعودية تُشرف مصر بموجبها على الجزيرتين ، مؤقتاَ . . و فجأةً ، وبدون مقدمات ، قررت مصر إعادة الحق لأصحابه ! . . فأين كانت هذه الاتفاقية ، و لماذا لم يسمع بها أحدٌ من قبل ؟ و كيف تكون الاتفاقيات الدولية سريةً على هذا النحو المزعوم ؟ و ما الداعى فى تلك الحالة لأخذ مقابل مالى ؟ و هل نأخذ بخبرٍ مرسل كتبه "جورنالجى" اكتسب مكانته باقترابه من الرئيس عبد الناصر، فى الوقت الذى أكد فيه عبد الناصر نفسه مصرية الجزيرتين بأوضح العبارات. . وهل تشهدون على بلادكم بأنها كانت تحتل أرض الآخرين ، بدلاً من الاعتراف بأنها هانت أمام العالمين !
ثالثاً : كيف سنعالج بعد ما اقترفناه ، القضايا و المسائل الحدودية العالقة مثل مسألة "حلايب و شلاتين" إذا كنا نعتد بخرائط لا نعرف مَن رسمها ، و مَن دفع لمن رسمها ، و مَن وضعها جانباً حتى يأتى أوان البهرجة بها . . و بالمناسبة ، فقد رأيتُ خرائط تضع حلايب و شلاتين داخل حدود السودان ، و خرائط أخرى تضع هذه المنطقة داخل حدود مصر ! و كلا النوعين من الخرائط رأيته آخر مرة فى المكتبة المركزية لجامعة الإسكندرية ، و كان معى أستاذ الجغرافيا المعروف " د . فتحى أبو عيانة " و ظل يضحك حين رأى هذه الخرائط و تلك ، فى مكانٍ واحد .
رابعاً : هناك فرقٌ بين الجغرافيا و التاريخ ، و الخرائط التى رسمها المستعمر متضاربة الحدود ، كانت بهدف تشويش التاريخ و خلط الأوراق و تأجيج النزاع عندما تدعو الحاجة إلى ذلك ، أو يكون في الصراع مصلحةً لهذه الدول التى كانت استعمارية . . ومهما كانت قيمة الخريطة ، فهى لا تنفى الثابت من التاريخ . و الثابت من التاريخ أن مصر كانت تملك الجزيرتين من الزمن الأيوبى إلى زمن الرئيس مبارك الذى أصدر قراراً جمهورياً واضحاً ، تم على أساسه إنشاء نقطة شرطة مصرية بجزيرة تيران سنة 1982.
خامساً : إذا كان مبارك ، وهو عند معظم الناس عنوان الفساد و نهب الأرض و التفريط فى العزّة ، لم يفعل مثل هذه الفعلة العجيبة ! و إذا كان الكنيست الإسرائيلى صباح اليوم يناقش اتفاق التنازل المصرى عن الجزيرتين ، فى الوقت الذى لم ير فيه مجلس الشعب المصرى و لا الشعب المصرى هذا الاتفاق ! و إذا كان الناس فى بلادنا يصدمهم دوماً فى الصباح مالم يكن يخطر ببالهم فى الليلة السابقة . . فإلى أين ستنتهى بنا يا ربِّ العالمين هذه الأحوال ، و أين ترسو من بعد العاصفة السفين ؟
أخيراً : الذين ينشرون بين الناس الساذجين أن السعوديين قادمون ليحملوا إلى مصر الخير و المشروعات الاستثمارية و الرخاء ، بعد بناء الجسر ! لم يفسروا لنا الآتى : لقد مدت السعودية جسراً سابقاً إلى "البحرين" و هو المُستعمل من يومه استعمالاً معروفاً "الترفيه عن السعوديين كيلا ينفجروا فى بلاد الكبت" فهل استثمرت السعودية المليارات فى البحرين ؟ . . و من دون الاحتياج للجسور ، هل أنقذت الأسرة السعودية اليمن من فقره باستثمارات مليارية كتلك التى يبشّرنا بها المبشّرون ، أم حوّلته بالحرب إلى خرائب ؟ . . يا قوم ، مالكم كيف تحكمون .
Youssef Ziedan
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق