الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

‏إسرائيل تتكلم بالعربية‏ : قادة حماس يستغلون المال العام للإثراء

الغزيون يتكبدون العناء، فيما زعماؤهم يواصلون جمع الغنائم وقادة حماس كغيرهم من القادة في الدول العربية يعتبرون العمل السياسي وسيلة لنهب المال العام فهل هناك مساءلة اين ذهبت اموال التبرعات ؟ لا تفوتوا هذه المعلومات الثمينة
مقال رأي بقلم موشيه إلعاد
نشر المقال بالإنجليزية على موقع Tablet Magazine
18 تشرين الثاني / نوفمبر 2014
يصدر قادة حماس المتطرفون من أمثال موسى أبو مرزوق وخالد مشعل أوامر باسم الجهاد لارتكاب أعمال العنف، ولكن ذلك لا يتعارض مع كونهم رجال أعمال محنكين تمكنوا من بناء إمبراطوريات مالية يُحسدون عليها من رجال أعمال معروفين في لندن وباريس ونيويورك. ذلك أن الخطاب السياسي والأرباح المادية لا يتناقضان، بل هما في الواقع يسيران يدا بيد في الشرق الأوسط.
حين توليت مهام منصبي كحاكم عسكري إسرائيلي لمنطقة صور خلال الحرب اللبنانية الأولى وطلبت اللقاء بقائد الشرطة المحلية، قيل لي إنه لا يستطيع لقائي إلا في قبل الظهر، لأنه بعد الظهر منشغل في الإشراف على أعماله الخاصة. وحين ارتسمت علامات الاستفهام على وجهي، تم إخباري بأنه يملك سلسلة من محلات السوبر ماركت.
وتعلمت طوال السنتين اللتين أمضيتهما في لبنان أن جميع أصحاب المناصب الرسمية سواء من المدنيين أو من العسكريين، سواء كانوا في القطاع العام أو في الشرطة أو في الجيش، يملكون أعمالا خاصة. وعلى سبيل المثال كان قائد الشرطة المشار إليه ينصح المواطنين الذين يراجعون الشرطة في أمر من الأمور بشراء الأغذية من محلاته الخاصة. ولكون القيم الغربية مثل منع تعارض المصالح وواجب الشفافية ونجاعة عمل المؤسسات العامة تحظى بقدر أقل من الاعتراف والاحترام في هذه البقعة من العالم، ينظر معظم القادة السياسيين في الشرق الأوسط إلى مناصبهم الرسمية على أنها الطريق إلى الإثراء، ويقبل معظم منتخبيهم هذا السلوك، أملا في الحصول على جزء، مهما كان ضئيلا، من ثروة الزعيم.
والحال في الضفة الغربية وقطاع غزة لا تختلف عما وجدته في لبنان، حيث بدأ السباق للسيطرة على المناصب الهامة في السلطة الفلسطينية سنة 1994، عند بدء تطبيق اتفاقات أوسلو، ليبدو الحكم الذي نشأ عن تلك المسيرة مماثلا بهذا القدر أو ذاك لمعظم الأنظمة العربية، فهو حكم شديد المركزية وفاسد وقليل النجاعة والفعالية، وتلعب الرشاوى دورا هاما في المجتمع وتعتبر محاباة الأقارب سيدة الموقف، بحيث تستفيد عائلات معدودة أو بعض الأقارب من الاحتكارات الرسمية للخدمات والسلع الأساسية.
تقوم منظمة التحرير الفلسطينية بإدارة السلطة الوطنية من خلال فصيلها الأهم وهو حركة فتح، الذي يتمتع بميزانية سخية يتبرع بها المجتمع الدولي. فبين سنة 1995 وسنة 2005، تلقت السلطة الفلسطينية التي كانت تحكم 4 ملايين من السكان، مبلغ 8 بلايين من الدولارات لإنشاء بنيتها الأساسية الصناعية وإيجاد فرص العمل وتحسين حياة شعبها وإقامة المؤسسات العامة. ولكن لسوء الحظ لا يبدو أن أيا من هذه المشاريع قد خرج إلى النور فعلا، فقد ذهبت معظم تلك الأموال إلى جيوب خاصة، واستعان قادة السلطة الفلسطينية بالمتبقي منها في تجنيد المزيد من أعضاء الميليشيات. وتم منح احتكارات النفط والغاز والغذاء والسجائر والهاتف الخلوي لعائلة رئيس الوزراء وعدد من أعضاء وزارته وكبار ضباط أجهزة الأمن. أما الذين حرموا من فرصة العيش على حساب الجماهير فلم يلتزموا الصمت، إذ رفع محمد دحلان الذي كان من كبار الضباط الأمنيين لفتح في غزة، دعوى دولية على الرئيس أبو مازن، اتهمه فيها بسرقة ما يزيد عن مليار دولار من المال الفلسطيني العام.
حركة حماس الفلسطينية الإسلامية الأصولية والتي تم تأسيسها في أواخر سنة 1987، لم تستفد قط من السخاء الدولي الذي تمتعت به السلطة الفلسطينية، حيث دعت حركة المقاومة هذه إلى تحرير فلسطين بالقوة، وانضمت في نفس الوقت إلى الجهاد العالمي، شأنها في ذلك شأن الحركات المتفرعة عن الإخوان المسلمين. وكنتيجة لذلك أقدمت حماس على تطوير آلياتها الخاصة لجمع الأموال، والقائمة على التبرعات والمساهمات التي قدمها المؤمنون المسلمون وكل من العربية السعودية والكويت وقطر وغيرها. وقد استعانت حماس باعتداءاتها الإرهابية الشريرة في أواسط التسعينات لإيجاد المزيد من المصداقية لدورها كحامي الفلسطينيين ومن يدافع عنهم ولا شك أنها زادت من دخلها، والذي تمثل أساسا في التبرعات المباشرة نقدا. وكانت القناة الشرعية للحصول على هذه الأموال صناديق الزكاة العاملة في كل وقف من أوقاف الضفة الغربية وغزة، وهي الأوقاف التي لم تستطع السلطة الفلسطينية مسها أو التدخل في إدارتها، إلا عبر استخدام القوة.
وفي شهر حزيران / يونيو من عام 2007، وبعد سيطرة حماس على قطاع غزة عبر انقلاب عنيف، أصبحت مبالغ أكبر من المال تصل من الدول الإسلامية المذكورة ذاتها، عاكسة رغبة المتبرعين في أن يتم إدارة الحكم في غزة سيرا على أحكام الشريعة الإسلامية. كما تم إطلاق حملة ضخمة لجمع الأموال في الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة وأوروبا، درت على حماس مئات الملايين من الدولارات التي مرت عبر الدكتور موسى أبو مرزوق، الذي كان يشغل في حينه منصب رئيس المكتب السياسي لحماس. وتفيد وثائق لإحدى المحاكم الفدرالية بولاية تكساس الأمريكية مؤرخة في عام 2003 بأنه تم إدانة أبو مرزوق بتحويل أموال غير شرعية إلى كل محافظات الضفة الغربية بدء من محافظة جنين الشمالية وانتهاء بمحافظة الخليل الجنوبية، علما بأنه منذ تسعينات القرن الماضي وخلال كل عام مالي قام بتحويل ملايين الدولارات بدعوى أنها مخصصة للشؤون الاجتماعية ومشاريع الإغاثة، ولكنها في الواقع استخدمت في تعويض عائلات الانتحاريين وإعادة تأهيل الإرهابيين الجرحى والمقعدين. وبفضل هذه التحويلات المالية وعلى مر سنين كثيرة، أصبح أبو مرزوق يسيطر على أصول واستثمارات كبيرة، يبلغ مجموعها بتقديري ما يزيد عن
ملياري دولار.
وبدأ الرئيس الحالي لحركة حماس خالد مشعل يسيطر على أموال الحركة بعد اعتقال أبو مرزوق مباشرة عام 1995 في الولايات المتحدة. وخلال السنتين التي أمضاهما أبو مرزوق وراء القضبان والأسلاك الشائكة تم تعيين مشعل رئيسا للمكتب السياسي لحماس، وهو المنصب الذي جعله مشرفا وحيدا على أموال حماس. وحتى الإفراج عن أبو مرزوق من السجن في عام 1997، راجع مشعل شخصيا أكبر عدد ممكن من القادة العرب والمسلمين بهدف تضخيم ميزانية الحركة.
وخلال الفترة التي أمضاها في دمشق، بين عامي 1999 و2012 أسس مشعل قنوات جديدة لجمع الأموال، أدت به إلى جمع ثروة لا تقل عن تلك التي يملكها أبو مرزوق، علما بأن الجانب الأكبر منها تم استثماره في مصارف مصر ودول الخليج، فيما استُثمر الباقي في المشاريع العقارية، حيث يملك مشعل شركة خاصة بالعقارات مقرها الدوحة، قامت مؤخرا بإنشاء أربعة أبراج سكنية ومتجر ضخم يشغل عشرين طابقا ومشاريع أخرى مسجل جميعها بأسماء أبناء عائلته.
وهناك طريق آخر إلى الغنى في قطاع غزة بعد انقلاب العام 2007، وهو أسلوب يمارسه أساسا قادة حماس الميدانيون (كتائب عز الدين القسام)، ويتمثل في تهريب السلع عبر شبكة من الأنفاق التي تم إنشاؤها للتهرب من المراقبة الحدودية المصرية والإسرائيلية. وقد استغل رئيس وزراء حماس إسماعيل هنية ووزراؤه في غزة هذه الأداة الاقتصادية ليباشروا السيطرة عليها بالقوى، تماما كما تفعل المافيا الإيطالية. ومنذ ذلك الحين استفاد كل من قادة حماس في محافظات غزة بهذه الأنفاق في المناطق الخاضعة لإشرافه، وتصرف بها وكأنها ملكه الخاص، من خلال السيطرة التامة على السلع والبضائع التي يتم نقلها عبر أنفاق محافظته، لتخضع المنتجات الغذائية من لحوم أبقار ودجاج وإسمنت وباطون وأثاث ونفط وبنزين ومواد طبية لضرائب باهظة. وعلى سبيل المثال بلغت الضريبة المفروضة على السيارة المهربة 1000 دولار زائد 25% من قيمتها، علما بأن عدد السيارات المهربة يوميا كان يبلغ ما بين 100 و200 سيارة. وكان على "المستورد" دفع 75 شيكل (نحو 20 دولارا) عن طن الإسمنت (400 طن يوميا)، و120 شيكل (نحو 32 دولارا) عن الطن الواحد من الأخشاب (500 طن يوميا)، وشيكلان (حوالي نصف دولار) عن كل ليتر من
الديزل (6000 ليتر يوميا) و0.75 شيكل (نحو 20 سنتا) عن ليتر الغاز (6000 ليتر يوميا). وعلى الجانب المصري من النفق كان المسؤول عن "المشروع" خيرت الشاطر من أبرز قياديي الإخوان المسلمين، الذين ساعدوا في تمويل تأسيس المشاريع المشتركة وكان شريكا كاملا في جني الأرباح.
وقد كسب رائد العطار، من كبار القادة في مدينة رفح عشرات الملايين من الدولارات من مشروع التهريب هذا، حيث يستخدم أسلوبا خاصا شديد المركزية للإشراف على تدفق السلع والأموال عبر أنفاقه "الخاصة"، ومن خلال اهتمامه بأدق التفاصيل.
ويقدر خبراء الاقتصاد الفلسطينيون عدد الفلسطينيين الذين تجاوز ما جناه كل منهم من أرباح من اقتصاد الأنفاق مبلغ المليون دولار بما يتراوح بين 1000 و1200 فلسطيني، ولكن عدد سكان غزة الذين يمكن وصفهم بالمليونيرات لا يتجاوز نصف هذا العدد، فعلينا أن نتذكر أن ما يقارب المليار دولار نقدا قد تم تهريبه عبر الأنفاق سنويا، تم خصم جزء منه لحساب قائد المحافظة باعتباره نوعا من "ضريبة الدخل". وتمثل مصدر آخر من مصادر الدخل غير الشرعي في عقارات غوش قطيف (المستوطنات الإسرائيلية السابقة في قطاع غزة) والتي تم بيع غالبيتها لوكالات العقارات الفلسطينية، وبيع بعضها لرواد أعمال البناء الذين كانوا ينتظرون أطلاق مشاريع البناء الجديدة. وقد ذهبت الأموال المدفوعة من مقتني الأراضي إلى جيوب قادة حماس الخاصة.
ثمة مصدر آخر للدخل في غزة هو جمع التبرعات من قبل الجهات الإسلامية، ولقد قبض قادة حماس مبالغ طائلة من أموال التبرعات الواردة من إيران وقطر والسعودية وغيرها من الدول الخليجية، وهي الأموال التي تم التبرع بها من أجل المقاومة والتي لها هدفان، أولهما محاربة إسرائيل باعتبارها عدوا سياسيا ومحاربة الدول الإسلامية الشيعية باعتبارها عدوا دينيا. وعلى العموم، وبخلاف التبرعات الآتية من الدول الأوروبية أو من الولايات المتحدة، يصعب متابعة هذه التبرعات، فالأموال التي لا يتم تخصيصها لمشاريع بعينها، والتي تحمل عنوان "غايات عامة"، يرجح أن تكون مصادرة من قادة حماس.
وتبين معلومات نشرت مؤخرا أن قطر حولت في شباط / فبراير 2013 إلى "سكان قطاع غزة" 250 مليون دولار، بيد أن معظم هذا المبلغ لم يصل إلى القطاع. وفي موعد لاحق، وبعد سقوط محمد مرسي في مصر خلال شهر تموز / يوليو 2013، قامت قطر بنقل مبلغ آخر قدره 350 مليون دولار ثم تبرعت بمبلغ 100 مليون دولار. وفي تلك الحالات تلقى الأموال رئيس الوزراء إسماعيل هنية، وهو اللاجئ من سكان مخيم الشاطئ المجاور لمدينة غزة، والذي تقدر ثروته اليوم بما لا يقل عن 4 بلايين دولار، كما خصص جزء من الأموال التي تسلمها لشراء أراض وبيوت تم تسجيلها بأسماء أبناء عائلته، في الوقت الذي تسلم فيه وزراء آخرون من أعضاء حماس وغيرهم من أصحاب المناصب الرفيعة الأموال هم أيضا، وربما سرقوها من "المال العام" لينشئوا بها المنازل الفخمة أو المشاريع التجارية الكبرى داخل غزة وخارجها.
ولكون هذه المعلومات ماثلة أمام أعين جميع سكان غزة الذين يعلمون بالتحديد أين يسكن قادتهم وكيف، فمن الجدير التساؤل عن سبب بقاء هذا الجمهور صامتا لا مباليا.
موشيه إلعاد هو محاضر في كلية الجليل الغربي ومدرسة الجليل للإدارة الدولية، ومتخصص في الشؤون الفلسطينية والإرهاب.
صورة النفق: جولة نادرة في انفاق حماس قام بها مصور رويترز محمد سالم تكشف عن الإستثمارات الهائلة التي وظفتها المنظمة في الإرهاب بدلا من النهوض بمستوى المعيشة للغزيين في أغسطس 2014 والمعروف ان تجارة الأنفاق تدر ارباحا طائلة على مجموعة صغيرة من الغزيين المقربين من حماس. حقوق التصوير: رويترز
صورة هنية: اسماعيل هنية رئيس وزراء حماس مع أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في رفح على مقربة من الحدود المصرية. قطر دولة داعمة لحماس التي تسببت في ثراء شريحة اجتماعية ضيقة على حساب الغزيين البسطاء . حقوق التصوير: رويترز
لقد أظهرت صور فوتوغرافية تم نشرها خلال حملة "الجرف الصامد"، التناقض بين البحبوحة التي يعيش فيها خالد مشعل وموسى أبو مرزوق من جهة، والحياة التي يعيشها شعب غزة المفقر من جهة أخرى. ومع ذلك فمن النادر جدا أن يتعرض أي من القادة الفلسطينيين للهجوم من "داخل البيت"، إذ تقضي التقاليد الفلسطينية بإن القائد الذي يعاني الأمرين من المحتل الإسرائيلي، يتوجب على الجميع دعمه ودعم المقاومة والرد بالمثل على المحتل، بعيدا عن توجيه الانتقاد إلى القائد، مهما فعل ومهما فشل في فعله، وبالتالي فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن ما يزيد عن 60% من سكان غزة يستنكرون الفساد، ولكن لا يبدي سوى النزر اليسير منهم أي رغبة في اتخاذ الإجراءات المطلوبة لوقفه. وهناك سبب آخر لندرة الانتقاد الشعبي يتمثل في العواقب الوخيمة التي قد تترتب عليه، فقد أطلقت خلال حملة "الجرف الصامد" النار على 20 شخصا في غزة، وعلى مرأى ومسمع من السكان، بعد محاكمات سريعة اتهموا خلالها "بالتعاون مع العدو"، وغني عن الإشارة أن طبيعة ذاك "التعاون" كان يلفها الغموض. كما أن الغزيين الذين أقدموا على التظاهر ضد قيادات حماس تعرضوا للضرب وإطلاق النار، وحتى الإعدام في بعض الحالات. وما زال الفساد سيد الموقف في الأراضي الفلسطينية.
المصدر : إسرائيل تتكلم بالعربية‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق