تقع شبه جزيرة القرم في جنوب اوكرانيا. ويحيط بها البحر الأسود من الجنوب والغرب، بينما يحدها من الشرق بحر أزوف. ويربطها بالقارة الاوروبية شمالا برزخ بيريكوب البالغ عرضه 8 كيلومترات. وتبعد أقصى نقطة شمالا عن أقصى نقطة جنوبا بمسافة 200 كيلومتر. بينما تبعد اقصى نقطة غربا عن اقصى نقطة شرقا بمسافة 325 كيلومتر. وتحد القرم من جهة البحر روسيا ورومانيا وبلغاريا وتركيا وجورجيا. كان شبه جزيرة القرم احد الاماكن المفضلة لاستجمام الاسرة القيصرية والنبلاء الروس. واحب القادة السوفيت والمسئولون مؤتمر يالطا الكبار الاقامة هنا. وشهدت القرم مرارا أحداثا تاريخية عديدة. وعقدت في شبه الجزيرة قبل ثلاثة اشهر من انتهاء الحرب العالمية الثانية في فبراير/ شباط عام 1945 قمة الحلفاء في الحرب ضد هتلر التي شارك فيها يوسف ستالين من الجانب السوفيتي وفرانكلين روزفلت من الجانب الامريكي وونستون تشرشل من الجانب البريطاني ، الذين أرسوا النظام العالمي الجديد لفترة ما بعد الحرب. وفي اغسطس / آب عام 1991 تم عزل ميخائيل غورباتشوف الرئيس الاول والوحيد للاتحاد السوفيتي اثناء استجمامه في منطقة فوروس في القرم عندما جرت محاولة الانقلاب الفاشلة ضده في موسكو.
تاريخ القرم بدأت في القرن الثامن عشر سلسلة من الحروب الروسية - التركية . وسعت روسيا من خلال هذه الحروب الى الاستيلاء على مناطق مطلة على البحر الاسود باعتبارها ضرورية لتطوير اقتصادها. وطرد الجيش الروسي في عام 1771 الاتراك من شبه جزيرة القرم . الا انهم لم يقبلوا بفقدان القرم وحاولوا مرارا استعادة مواقعهم فيها . واضطرت تركيا في يوم 10 يوليو / تموز عام 1774الى توقيع معاهدة الصلح التي تم خرقها فور توقيعها عمليا. سيفاستوبل ووقعت الامبراطورة كاترين الثانية في يوم 8 ابريل / نيسان عام 1783 "مرسوم ضم شبه جزيرة القرم وجزر تامان وإقليم كوبان الى روسيا". وسعت الحكومة القيصرية بشتى الوسائل الى جذب الرعايا الجدد الى جانبها آخذا بعين الاعتبار وضع القرم الاستراتيجي العسكري ونفوذ تركيا الكبير بين التتار. ومنذ عام 1783 منح اهالى شبه الجزيرة الاصليين حرية التنقل وحرية الضمير ( العقيدة الدينية). كما منح الاقطاعيون التتار الحق بالتمتع بكافة الامتيازات لدى طبقة النبلاء ( الاشراف) الروس. وتم اعفاء التتار من الخدمة العسكرية في الجيش الروسي. الا انه تم في اوائل القرن التاسع عشر تشكيل اربعة افواج تتارية التحق بها المتطوعون الذين قاموا بواجبات الحراسة والحفاظ على الامن في شبه الجزيرة. واحتفظ رجال الدين المسملون التتار باراضيهم ، وتم إعفاؤهم من دفع الضرائب، وواعطيت الحريات الشخصية للفلاحين. غير ان جزءا من السكان التتار غادر القرم وهاجرالى تركيا بالرغم من التدابير المشار اليها. وصارت القرم في النصف الاول من القرن التاسع عشر تنمو اقتصاديا وثقافيا ، وذلك بعد ان تم ضمها الى الامبراطورية الروسية في عام 1783 . ومنذ ذلك الحين اخذت تتطور القوى المنتجة فيها بوتائر عالية، وحدثت تغيرات في المجالين الاقتصادي والثقافي. واتخذت الحكومة الروسية التدابير الرامية الى توطين القرم ، علما بان عدد سكانها بلغ 82151 نسمة من الذكور حسب احصائيات عام 1796. وسعت الحكومة القيصرية الى استصلاح شبه الجزيرة باسرع وقت ممكن، وصارت تمنح قطعا كبيرة من الارض الى مالكي الاراضي والموظفين الروس. وفي عام 1783 تأسست قلعة سيفاستوبول التي تحولت بمرور الزمن الى ميناء كبير وقاعدة الاسطول الروسي الرئيسية في البحر الاسود ومدينة تمثل مجد وشجاعة الروس فيما بعد. وكانت الامبراطورية العثمانية من جهتها تحشد قواها العسكرية وتقوم بلعبة دبلوماسية معقدة مع الدول الاوروبية الكبرى التي اتفقت مصالحها ومصالح اسطنبول التي لم ترض بتنامي نفوذ روسيا في البحر الاسود وسيطرتها على القرم. ورفع الاسطول العثماني اشرعته في عام 1787 وتوجه نحو شبه جزيرة القرم . والحق الاسطول الروسي الصغير في عام 1788 هزيمة ساحقة بالاسطول التركي ، الامر الذي اصبح رمزا لولادة اسطول البحر الاسود الروسي الفتي ووضع بداية للصراع بين الدولتين والذي أسفر عن تخلى تركيا عن شبه جزيرة القرم. وفي بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر اصبحت شبه جزير القرم مسرحا للحرب الدامية بين روسيا من جهة وتركيا وفرنسا وبريطانيا من جهة اخرى. وبدأ النزاع من الجدل حول مسألة منع روسيا من حرية الملاحة في البحر الابيض المتوسط.، ووقعت في عام 1841 في لندن الاتفاقية الدولية التي نصت على اغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل امام جميع الدول الكبرى ، الامر الذي ألحق ضررا بمصالح روسيا الاستراتيجية والتجارية . غير ان الصراع من اجل فرض النفوذ السياسي والاقتصادي على الشرق الاوسط لم ينته بذل. وتسببت المواجهة في اندلاع الحرب بين روسيا والامبراطورية العثمانية ووقفت الدول الاوروبية الكبرى فيها الى جانب تركيا. وأعلنت حكومتا بريطانيا وفرنسا الحرب على روسيا ، وبهذا خرقتا اتفاقية لندن. ونزلت القوات البريطانية والفرنسية والتركية في عام 1854 في مدينة يفباتوريا الواقعة في شبه جزيرة القرم ، ثم توجهت نحو مدينة سيفاستوبول. ووقعت اول معركة بين قوات التحالف البريطاني والفرنسي والتركي من جهة والقوات الروسية من جهة اخرى بالقرب من نهر "ألما" في يوم 8 سبتمبر/ ايلول عام 1854. وتمكن الاسطول البريطاني الفرنسي المشترك في اوائل عام 1855 من دخول بحر آزوف مرورا بمضيق كيرتش. وصار الجيش الروسي المحاصر من الجهات الثلاث يواجه المزيد من المصاعب. وفي اغسطس/آب عام 1855 استولى العدو على مرتفع "مالاخوخ" الاستراتيجي ، مما جعل الدفاع عن سيفاستوبول مستحيلا. وانسحبت القوات الروسية المدافعة عن المدينة الى مواقع جديدة، وعرقلت تقدم القوات الاجنبية الى عمق شبه الجزيرة، ثم بدأت حرب الاستنزاف التي ادت في نهاية المطاف الى لجوء بريطانيا وفرنسا الى المباحثات مع الحكومة الروسية. وعقدت في باريس عام 1856 اتفاقية السلام ، وغادرت القوات الاجنبية شبه جزيرة القرم. القرن العشرون بيت الراحة الصيفي لغوربوتشوف قامت الثورة في روسيا في خريف عام 1917 ، وتولى البلاشفة السلطة في البلاد. وتحولت شبه جزيرة القرم الى احد ميادين الحرب الاهلية، وتعرضت في الوقت ذاته للعدوان الاجنبي حين خرقت القوات الالمانية شروط معاهدة "بريست" ، واحتلت القرم في عام 1918 . وفي نوفمبر / تشرين الثاني عام 1918 نزلت في القرم القوات البريطانية الفرنسية التي بقيت هناك حتى مايو / آيار عام 1919 ، ثم غادرت شبه الجزيرة ، وعلى إثر مغادرتها أعلن في القرم عن قيام الجمهورية السوفيتية الاشتراكية. واحتلت شبه الجزيرة قوات الحرس الابيض بقيادة الجنرال دينيكين ثم الجنرال فرانجل ، فاشتعلت الحرب الاهلية في القرم مجددا. وشهدت القرم في فترة ما بعد الحرب الاهلية اوضاعا اقتصادية صعبة ، وساد فيها الدمار والخراب ، وانخفض الانتاج الصناعي بالمقارنة مع مستوى ما قبل الحرب بمقدار ثلاثة اضعاف. كما احتدمت العلاقات بين القوميات ، وكانت القوى السياسية المختلفة المناضلة من اجل السلطة في القرم في وقت الحرب الاهلية تستفيد من التفرقة القومية لمصلحتها ، ولم تحل مسألة امتلاك الارض المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمسألة القومية. وفي اكتوبر / تشرين الاول عام 1921 حصلت القرم على وضعها القانوني الجديد ، وتحولت الى جمهورية القرم ذاتية الحكم ضمن جمهورية روسيا السوفيتية الفيدرالية الاشتراكية التي كانت بدورها ضمن اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية. ومنحت شبه الجزيرة وضع منتجع سائر الاتحاد السوفيتي . وكان المواطنون من عموم الاتحاد السوفيتي يأتون الى هناك لتلقي العلاج وللاستجمام. وسجلت الحرب العالمية الثانية سطورا مأسوية جديدة في تاريخ القرم. وكان الزعماء النازيون ينوون تحويل شبه الجزيرة الى احدى المستوطنات الالمانية. وكان يخطط لتهجير السكان وضم شبه جزيرة القرم الى ألمانيا وتسميتها ب"هوتلاند" وجعلها موقعا لاستجمام الجنود الالمان ورفدها بألمان إقليم التيرول الجنوبي. و في 22 يونيو / حزيران عام 1941 تعرضت مدينة سيفاستوبول والاسطول البحر الاسود السوفيتي للقصف الالماني من الجو. هكذا بدأت الحرب العالمية الثانية بالنسبة الى القرم والاتحاد السوفيتي ككل. المعارك من اجل شمال القرم عام 1941 واستمر الصراع المسلح من اجل الاحتفاظ بالقرم خلال فترة تزيد عن شهرين. وبالرغم من مقاومة وصمود الجيش السوفيتي استطاعت القوات الالمانية بحلول شهر نوفمبر / تشرين الثاني احتلال شبه الجزيرة كلها باستثناء مدينة سيفاستوبول. واضطرت القوات السوفيتية الى مغادرة القرم ، ولم تعد اليها الا في عام 1944 . وبدأت عملية اعادة اعمار شبه الجزير بعد تحريرها من الالمان مباشرة. واثبتت لجنة التحقيق في جرائم النازيين بجزيرة القرم هلاك 219625 شخصا وضمنهم من تم اعدامه وتهجيره الى المانيا. ودمرت 147 مدينة وبلدة بما في ذلك مدينتا سيفاستوبول وكيرتش اللتان تم تدميرهما تدميرا تاما. وسجلت السلطة السوفيتية ايضا اسطرها المأسوية في تاريخ القرم حين هجّرت ما يزيد عن 52 ألف الماني و191 ألف تتاري 12 ألف بلغاري و15 ألف يوناني و9 آلاف ارمني و1280 روسيا و1109 غجريا و272 تركيا و257 اوكرانيا و283 شخصا من القوميات الاخرى ، وذلك بحجة تعاونهم مع النازيين. لقد تأكدت في واقع الامر بعض الحقائق التي تدل على تعاون بعض الاشخاص من سكان القرم مع النازيين. وكانت قد شكلت في القرم في ديسمبر/ كانون الاول عام 1941 لجان إسلامية انضم اليها التتار الذين أعلنوا تأييدهم لسلطة الاحتلال الالمانية. وبدأت لجنة القرم الاسلامية المركزية عملها في مدينة سيمفروبول. هذا وكان تتار القرم يحاربون في صفوف الجيش الاحمر ضد الفاشستيين. كما شكل تتار القرم سدس قوات الانصار التي حاربت القوات الالمانية في شبه الجزيرة. وأعلن مجلس السوفيت الاعلى للاتحاد السوفيتي في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1989 ان كافة القوانين التي لها علاقة بتهجير الشعوب القهري تعتبر غير شرعية، وقد اعيد الاعتبارالسياسي لتتار القرم والألمان وغيرهم من ابناء الشعوب التي كانت تقطن شبه الجزيرة. ويعود الكثير منهم حاليا الى وطنهم وبالدرجة الاولى تتارالقرم. وتخصص الدولة الاوكرانية لهم قطعا من الارض في منطقة السهوب. غير ان الكثير منهم يستولى قهرا على قطع ارضية في مناطق اخرى من شبه الجزيرة ، وقبل كل شيء في المنطقة الساحلية ، الامر الذي يتسسب في حدوث نزاعات بينهم وبين السلطة وفئات اخرى من السكان على حد سواء. وفي شهر يونيو / حزيران عام 1945 تم تحويل جمهورية القرم ذاتية الحكم السوفيتية الاشتراكية الى مقاطعة القرم ضمن جمهورية روسيا السوفيتية الاشتراكية. واتخذ نيكيتا خروشوف الامين الاول للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي في 19 فبراير / شباط عام 1954 قرارا باحالة مقاطعة القرم من جمهورية روسيا الفيدرالية السوفيتية الاشتراكية الى جمهورية اوكرانيا السوفيتية الاشتراكية مبررا ذلك بوحدة الاقتصاد والاراضي والعلاقات الادارية والثقافية الوثيقة بين المقاطعة واوكرانيا. لكن لم يلعب هذا الاجراء آنذاك دورا مبدئيا لان كلتاهما كانتا من كيانات الاتحاد السوفيتي. غير ان هذا الامر تسبب في مشاكل عديدة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ، اذ ان القرم لكونها جزءا لا يتجزأ من الدولة الروسية وقاعدة استراتيجية للاسطول الروسي ثم السوفيتي على مدى السنوات المائتين الاخيرة وقعت ضمن اراضي دولة اخرى على إثر اعلان استقلال اوكرانيا في 30 اغسطس / آب عام 1991 . واحتدم الجدل حول مصير سيفاستوبول واسطول البحر الاسود الروسي الذي توجد قاعدته الرئيسية فيها بعد انهيارالاتحاد السوفيتي. وبموجب الاتفاق بين موسكو وكييف سيبقى الاسطول الروسي في سيفاستوبل حتى عام 2017. وتعول روسيا حاليا على تمديد مفعول الاتفاق. غير أن اوكرانيا التي تسعى الى الانضمام الى الناتو لها خطط اخرى. ومن جهة اخرى فان سكان المدينة الذين يميلون الى روسيا يعارضون انسحاب الاسطول الروسي من سيفاستوبول. وتم في القرم جمع ما يزيد عن مليون توقيع لأبناء المدينة غير الموافقين على انسحاب الاسطول الروسي. وبموجب احصائيات عام 2001 يقطن القرم 250193 مواطنا مهجرا وبينهم 179400 نسمة من الكبار و70793 نسمة من الاطفال الذين لم يتجاوز عمرهم 14 سنة ، بمن فيهم 3001 طفل لم يتجاوز سنهم سنة واحدة. ويبلغ عدد تتار القرم الاجمالي 244121 نسمة ، وبينهم 174120 نسمة من الكبار و70001 نسمة من الاطفال بمن فيهم 2968 طفلا لم يتجاوز سنهم سنة واحدة. وازداد عدد تتار القرم خلال الفترة ما بين اعوام 1988 و2001 بمقدار 6.35 مرة. وبلغ نسبة 11.73% من اجمالي سكان شبه جزيرة القرم.
تاريخ القرم بدأت في القرن الثامن عشر سلسلة من الحروب الروسية - التركية . وسعت روسيا من خلال هذه الحروب الى الاستيلاء على مناطق مطلة على البحر الاسود باعتبارها ضرورية لتطوير اقتصادها. وطرد الجيش الروسي في عام 1771 الاتراك من شبه جزيرة القرم . الا انهم لم يقبلوا بفقدان القرم وحاولوا مرارا استعادة مواقعهم فيها . واضطرت تركيا في يوم 10 يوليو / تموز عام 1774الى توقيع معاهدة الصلح التي تم خرقها فور توقيعها عمليا. سيفاستوبل ووقعت الامبراطورة كاترين الثانية في يوم 8 ابريل / نيسان عام 1783 "مرسوم ضم شبه جزيرة القرم وجزر تامان وإقليم كوبان الى روسيا". وسعت الحكومة القيصرية بشتى الوسائل الى جذب الرعايا الجدد الى جانبها آخذا بعين الاعتبار وضع القرم الاستراتيجي العسكري ونفوذ تركيا الكبير بين التتار. ومنذ عام 1783 منح اهالى شبه الجزيرة الاصليين حرية التنقل وحرية الضمير ( العقيدة الدينية). كما منح الاقطاعيون التتار الحق بالتمتع بكافة الامتيازات لدى طبقة النبلاء ( الاشراف) الروس. وتم اعفاء التتار من الخدمة العسكرية في الجيش الروسي. الا انه تم في اوائل القرن التاسع عشر تشكيل اربعة افواج تتارية التحق بها المتطوعون الذين قاموا بواجبات الحراسة والحفاظ على الامن في شبه الجزيرة. واحتفظ رجال الدين المسملون التتار باراضيهم ، وتم إعفاؤهم من دفع الضرائب، وواعطيت الحريات الشخصية للفلاحين. غير ان جزءا من السكان التتار غادر القرم وهاجرالى تركيا بالرغم من التدابير المشار اليها. وصارت القرم في النصف الاول من القرن التاسع عشر تنمو اقتصاديا وثقافيا ، وذلك بعد ان تم ضمها الى الامبراطورية الروسية في عام 1783 . ومنذ ذلك الحين اخذت تتطور القوى المنتجة فيها بوتائر عالية، وحدثت تغيرات في المجالين الاقتصادي والثقافي. واتخذت الحكومة الروسية التدابير الرامية الى توطين القرم ، علما بان عدد سكانها بلغ 82151 نسمة من الذكور حسب احصائيات عام 1796. وسعت الحكومة القيصرية الى استصلاح شبه الجزيرة باسرع وقت ممكن، وصارت تمنح قطعا كبيرة من الارض الى مالكي الاراضي والموظفين الروس. وفي عام 1783 تأسست قلعة سيفاستوبول التي تحولت بمرور الزمن الى ميناء كبير وقاعدة الاسطول الروسي الرئيسية في البحر الاسود ومدينة تمثل مجد وشجاعة الروس فيما بعد. وكانت الامبراطورية العثمانية من جهتها تحشد قواها العسكرية وتقوم بلعبة دبلوماسية معقدة مع الدول الاوروبية الكبرى التي اتفقت مصالحها ومصالح اسطنبول التي لم ترض بتنامي نفوذ روسيا في البحر الاسود وسيطرتها على القرم. ورفع الاسطول العثماني اشرعته في عام 1787 وتوجه نحو شبه جزيرة القرم . والحق الاسطول الروسي الصغير في عام 1788 هزيمة ساحقة بالاسطول التركي ، الامر الذي اصبح رمزا لولادة اسطول البحر الاسود الروسي الفتي ووضع بداية للصراع بين الدولتين والذي أسفر عن تخلى تركيا عن شبه جزيرة القرم. وفي بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر اصبحت شبه جزير القرم مسرحا للحرب الدامية بين روسيا من جهة وتركيا وفرنسا وبريطانيا من جهة اخرى. وبدأ النزاع من الجدل حول مسألة منع روسيا من حرية الملاحة في البحر الابيض المتوسط.، ووقعت في عام 1841 في لندن الاتفاقية الدولية التي نصت على اغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل امام جميع الدول الكبرى ، الامر الذي ألحق ضررا بمصالح روسيا الاستراتيجية والتجارية . غير ان الصراع من اجل فرض النفوذ السياسي والاقتصادي على الشرق الاوسط لم ينته بذل. وتسببت المواجهة في اندلاع الحرب بين روسيا والامبراطورية العثمانية ووقفت الدول الاوروبية الكبرى فيها الى جانب تركيا. وأعلنت حكومتا بريطانيا وفرنسا الحرب على روسيا ، وبهذا خرقتا اتفاقية لندن. ونزلت القوات البريطانية والفرنسية والتركية في عام 1854 في مدينة يفباتوريا الواقعة في شبه جزيرة القرم ، ثم توجهت نحو مدينة سيفاستوبول. ووقعت اول معركة بين قوات التحالف البريطاني والفرنسي والتركي من جهة والقوات الروسية من جهة اخرى بالقرب من نهر "ألما" في يوم 8 سبتمبر/ ايلول عام 1854. وتمكن الاسطول البريطاني الفرنسي المشترك في اوائل عام 1855 من دخول بحر آزوف مرورا بمضيق كيرتش. وصار الجيش الروسي المحاصر من الجهات الثلاث يواجه المزيد من المصاعب. وفي اغسطس/آب عام 1855 استولى العدو على مرتفع "مالاخوخ" الاستراتيجي ، مما جعل الدفاع عن سيفاستوبول مستحيلا. وانسحبت القوات الروسية المدافعة عن المدينة الى مواقع جديدة، وعرقلت تقدم القوات الاجنبية الى عمق شبه الجزيرة، ثم بدأت حرب الاستنزاف التي ادت في نهاية المطاف الى لجوء بريطانيا وفرنسا الى المباحثات مع الحكومة الروسية. وعقدت في باريس عام 1856 اتفاقية السلام ، وغادرت القوات الاجنبية شبه جزيرة القرم. القرن العشرون بيت الراحة الصيفي لغوربوتشوف قامت الثورة في روسيا في خريف عام 1917 ، وتولى البلاشفة السلطة في البلاد. وتحولت شبه جزيرة القرم الى احد ميادين الحرب الاهلية، وتعرضت في الوقت ذاته للعدوان الاجنبي حين خرقت القوات الالمانية شروط معاهدة "بريست" ، واحتلت القرم في عام 1918 . وفي نوفمبر / تشرين الثاني عام 1918 نزلت في القرم القوات البريطانية الفرنسية التي بقيت هناك حتى مايو / آيار عام 1919 ، ثم غادرت شبه الجزيرة ، وعلى إثر مغادرتها أعلن في القرم عن قيام الجمهورية السوفيتية الاشتراكية. واحتلت شبه الجزيرة قوات الحرس الابيض بقيادة الجنرال دينيكين ثم الجنرال فرانجل ، فاشتعلت الحرب الاهلية في القرم مجددا. وشهدت القرم في فترة ما بعد الحرب الاهلية اوضاعا اقتصادية صعبة ، وساد فيها الدمار والخراب ، وانخفض الانتاج الصناعي بالمقارنة مع مستوى ما قبل الحرب بمقدار ثلاثة اضعاف. كما احتدمت العلاقات بين القوميات ، وكانت القوى السياسية المختلفة المناضلة من اجل السلطة في القرم في وقت الحرب الاهلية تستفيد من التفرقة القومية لمصلحتها ، ولم تحل مسألة امتلاك الارض المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمسألة القومية. وفي اكتوبر / تشرين الاول عام 1921 حصلت القرم على وضعها القانوني الجديد ، وتحولت الى جمهورية القرم ذاتية الحكم ضمن جمهورية روسيا السوفيتية الفيدرالية الاشتراكية التي كانت بدورها ضمن اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية. ومنحت شبه الجزيرة وضع منتجع سائر الاتحاد السوفيتي . وكان المواطنون من عموم الاتحاد السوفيتي يأتون الى هناك لتلقي العلاج وللاستجمام. وسجلت الحرب العالمية الثانية سطورا مأسوية جديدة في تاريخ القرم. وكان الزعماء النازيون ينوون تحويل شبه الجزيرة الى احدى المستوطنات الالمانية. وكان يخطط لتهجير السكان وضم شبه جزيرة القرم الى ألمانيا وتسميتها ب"هوتلاند" وجعلها موقعا لاستجمام الجنود الالمان ورفدها بألمان إقليم التيرول الجنوبي. و في 22 يونيو / حزيران عام 1941 تعرضت مدينة سيفاستوبول والاسطول البحر الاسود السوفيتي للقصف الالماني من الجو. هكذا بدأت الحرب العالمية الثانية بالنسبة الى القرم والاتحاد السوفيتي ككل. المعارك من اجل شمال القرم عام 1941 واستمر الصراع المسلح من اجل الاحتفاظ بالقرم خلال فترة تزيد عن شهرين. وبالرغم من مقاومة وصمود الجيش السوفيتي استطاعت القوات الالمانية بحلول شهر نوفمبر / تشرين الثاني احتلال شبه الجزيرة كلها باستثناء مدينة سيفاستوبول. واضطرت القوات السوفيتية الى مغادرة القرم ، ولم تعد اليها الا في عام 1944 . وبدأت عملية اعادة اعمار شبه الجزير بعد تحريرها من الالمان مباشرة. واثبتت لجنة التحقيق في جرائم النازيين بجزيرة القرم هلاك 219625 شخصا وضمنهم من تم اعدامه وتهجيره الى المانيا. ودمرت 147 مدينة وبلدة بما في ذلك مدينتا سيفاستوبول وكيرتش اللتان تم تدميرهما تدميرا تاما. وسجلت السلطة السوفيتية ايضا اسطرها المأسوية في تاريخ القرم حين هجّرت ما يزيد عن 52 ألف الماني و191 ألف تتاري 12 ألف بلغاري و15 ألف يوناني و9 آلاف ارمني و1280 روسيا و1109 غجريا و272 تركيا و257 اوكرانيا و283 شخصا من القوميات الاخرى ، وذلك بحجة تعاونهم مع النازيين. لقد تأكدت في واقع الامر بعض الحقائق التي تدل على تعاون بعض الاشخاص من سكان القرم مع النازيين. وكانت قد شكلت في القرم في ديسمبر/ كانون الاول عام 1941 لجان إسلامية انضم اليها التتار الذين أعلنوا تأييدهم لسلطة الاحتلال الالمانية. وبدأت لجنة القرم الاسلامية المركزية عملها في مدينة سيمفروبول. هذا وكان تتار القرم يحاربون في صفوف الجيش الاحمر ضد الفاشستيين. كما شكل تتار القرم سدس قوات الانصار التي حاربت القوات الالمانية في شبه الجزيرة. وأعلن مجلس السوفيت الاعلى للاتحاد السوفيتي في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1989 ان كافة القوانين التي لها علاقة بتهجير الشعوب القهري تعتبر غير شرعية، وقد اعيد الاعتبارالسياسي لتتار القرم والألمان وغيرهم من ابناء الشعوب التي كانت تقطن شبه الجزيرة. ويعود الكثير منهم حاليا الى وطنهم وبالدرجة الاولى تتارالقرم. وتخصص الدولة الاوكرانية لهم قطعا من الارض في منطقة السهوب. غير ان الكثير منهم يستولى قهرا على قطع ارضية في مناطق اخرى من شبه الجزيرة ، وقبل كل شيء في المنطقة الساحلية ، الامر الذي يتسسب في حدوث نزاعات بينهم وبين السلطة وفئات اخرى من السكان على حد سواء. وفي شهر يونيو / حزيران عام 1945 تم تحويل جمهورية القرم ذاتية الحكم السوفيتية الاشتراكية الى مقاطعة القرم ضمن جمهورية روسيا السوفيتية الاشتراكية. واتخذ نيكيتا خروشوف الامين الاول للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي في 19 فبراير / شباط عام 1954 قرارا باحالة مقاطعة القرم من جمهورية روسيا الفيدرالية السوفيتية الاشتراكية الى جمهورية اوكرانيا السوفيتية الاشتراكية مبررا ذلك بوحدة الاقتصاد والاراضي والعلاقات الادارية والثقافية الوثيقة بين المقاطعة واوكرانيا. لكن لم يلعب هذا الاجراء آنذاك دورا مبدئيا لان كلتاهما كانتا من كيانات الاتحاد السوفيتي. غير ان هذا الامر تسبب في مشاكل عديدة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ، اذ ان القرم لكونها جزءا لا يتجزأ من الدولة الروسية وقاعدة استراتيجية للاسطول الروسي ثم السوفيتي على مدى السنوات المائتين الاخيرة وقعت ضمن اراضي دولة اخرى على إثر اعلان استقلال اوكرانيا في 30 اغسطس / آب عام 1991 . واحتدم الجدل حول مصير سيفاستوبول واسطول البحر الاسود الروسي الذي توجد قاعدته الرئيسية فيها بعد انهيارالاتحاد السوفيتي. وبموجب الاتفاق بين موسكو وكييف سيبقى الاسطول الروسي في سيفاستوبل حتى عام 2017. وتعول روسيا حاليا على تمديد مفعول الاتفاق. غير أن اوكرانيا التي تسعى الى الانضمام الى الناتو لها خطط اخرى. ومن جهة اخرى فان سكان المدينة الذين يميلون الى روسيا يعارضون انسحاب الاسطول الروسي من سيفاستوبول. وتم في القرم جمع ما يزيد عن مليون توقيع لأبناء المدينة غير الموافقين على انسحاب الاسطول الروسي. وبموجب احصائيات عام 2001 يقطن القرم 250193 مواطنا مهجرا وبينهم 179400 نسمة من الكبار و70793 نسمة من الاطفال الذين لم يتجاوز عمرهم 14 سنة ، بمن فيهم 3001 طفل لم يتجاوز سنهم سنة واحدة. ويبلغ عدد تتار القرم الاجمالي 244121 نسمة ، وبينهم 174120 نسمة من الكبار و70001 نسمة من الاطفال بمن فيهم 2968 طفلا لم يتجاوز سنهم سنة واحدة. وازداد عدد تتار القرم خلال الفترة ما بين اعوام 1988 و2001 بمقدار 6.35 مرة. وبلغ نسبة 11.73% من اجمالي سكان شبه جزيرة القرم.
أهمية شبه جزيرة القرم
كانت لشبه جزيرة القرم دائما أهمية بالغة بالنسبة إلى روسيا الإمبراطورية والسوفيتية وروسيا المعاصرة لأن امتلاكها كان يعني السيطرة على البحر الأسود والمناطق المطلة عليه. ولم تصبح روسيا دولة عظمى بغض النظر عن توسعها إلا بعد ضمها للأراضي المتاخمة للبحر الأسود، بما فيها شبه جزيرة القرم في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، أي في عهد الإمبراطورة الروسية كاثرين الثانية. واختارت بريطانيا وفرنسا بالتعاون مع العثمانيين شبه جزيرة القرم بالذات لإجراء أول عملية إنزال بحري واسع النطاق في العالم في عامي 1856 – 1857 ( حرب القرم) بهدف طرد روسيا من شبه الجزيرة وقاعدتها البحرية سيفاستوبل ومنعها بذلك من حق امتلاك أي أسطول بحري قوي في البحر الأسود. ولم يعتزم الحلفاء آنذاك التقدم إلى عمق روسيا، لكن هزيمة روسيا في معركة سيفاستوبول والقرم منعتها من لعب دور هام في الشؤون الأوروبية على مدى عقدين. ولم تستعد روسيا عظمتها إلا بعد استعادتها السيطرة على القرم وسيفاستوبول بعد انتصار روسيا في الحرب الروسية التركية عامي 1877 – 1878. يجب القول إن الهدف المنشود لقياصرة الروس على مدى قرون كان فرض السيطرة على مضيقي البوسفور والدردنيل بغية ضمان الخروج الآمن لأسطول البحر الأسود الروسي إلى المتوسط. ولو انتصرت روسيا في الحرب العالمية الأولى (أعوام 1914 – 1918) التي خاضتها مع حلفائها فرنسا وبريطانيا وأمريكا لفرضت تلك السيطرة على المضيقين المهمين. لكن ثورة أكتوبر عام 1917 وخروج روسيا من الحرب حالا دون تحقيق ذلك. وكانت القيادة الهتلرية إبان الحرب العالمية الثانية تعلق آمالا كثيرة على القرم بصفتها رأس جسر هام للتوغل إلى آسيا والشرق الأوسط.
وغدت سيفاستوبول بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا فيها قاعدة بحرية مهمة للاتحاد السوفيتي في جنوب البلاد. وكانت جزيرة القرم آنذاك جزءًا من أراضي جمهورية روسيا. أما قاعدة سيفاستوبول البحرية فما زالت قاعدة هامة وإن كانت غير رئيسية. لكن بعد انضمام تركيا عام 1952 إلى حلف الناتو فقدت قاعدة سيفاستوبول أهميتها نظرا لاحتمال إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل من قبل تركيا العضو الحديث في الناتو. وربما كان هذا العامل أحد الدوافع الذي جعل الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي نيكيتا خروشوف يهدي شبه الجزيرة وقاعدتها البحرية لجمهورية أوكرانيا السوفيتية عام 1954. لكن ما زال الروس يشكلون غالبة سكان القرم وخاصة بعد ترحيل ستالين سكانها الأصليين التتار من موطنهم إلى كازاخستان في شرق الاتحاد السوفيتية عام 1944 بمبرر دعمهم للألمان أثناء احتلالهم القرم في أعوام 1942 – 1944. وبلغت نسبة الروس في شبه الجزيرة آنذاك 75% . فيما شكلت نسبة الأوكرانيين عام 1944 في القرم 21% فقط. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي في ديسمبر عام 1991 بقيت القرم أوتوماتيكيا في قوام أوكرانيا بصفتها دولة مستقلة. واضطرت روسيا طوال أكثر من عقدين للقيام بمناورات سياسية لإبقاء أسطولها بالبحر الأسود في سيفاستوبول في القرم، وذلك عن طريق عقد الاتفاقيات مع الحكومات الأوكرانية التي كانت تتغير من وقت إلى آخر. وقد وقعت الاتفاقية الأخيرة من هذا النوع في أبريل عام 2010 بمدينة خاركوف الأوكرانية بين الرئيس الروسي آنذاك دميتري مدفيديف والرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، والتي تقضي ببقاء الأسطول البحري الروسي في القرم لغاية عام 2042 مقابل دفع روسيا مبلغ 100 مليون دولار سنويا وتنزيل سعر الغاز المصدر إلى أوكرانيا بنسبة 30%.
وأمل الناتو والولايات المتحدة بأن يظل الأسطول الروسي مغلقا في البحر الأسود. وكان مثل هذا الوضع يرضيهما تماما، علما أن الوضع القانوني للأسطول الروسي يعتمد على النهج السياسي الذي تمارسه هذه الحكومة الأوكرانية أو تلك. يذكر أن الأسطول الروسي في البحر الأسو يقل قدرة عن الأسطول التركي. لكن التوازن الاستراتيجي في المنطقة ما زال قائما بفضل بعض الأفضليات لدى روسيا. لكن تلك الحسابات الأمريكية انهارت تماما بعد أن اتضح أن الأسطول الروسي في القرم يمكن أن يلعب دورا هاما في حروب إقليمية وخاصة في الحرب الروسية الجورجية عام 2008 والتطورات المتعلقة بالأزمة السورية الأخيرة. أما الانقلاب الأخير الذي وقع في أوكرانيا وصعود القوى اليمينية القومية المتطرفة إلى السلطة في كييف فأثارت قلقا بالغا لدى القيادة الروسية لأن خطورة فسخ اتفاقية الأسطول الروسي في القرم أصبحت واقعا واضحا. وكان ذلك دافعا قويا جعل روسيا تدعم الطموحات القديمة لسلطة الحكم الذاتي الروسي المحدود في القرم إلى نيل الاستقلال وإجراء استفتاء عام بهذا الشأن في شبه جزيرة القرم وفي مدينة سيفاستوبول حيث تشكل الطائفة الروسية نسبة 60% و70% .
المصدر: " RT "
http://arabic.rt.com/news/661827/ :روسيا اليوم
كانت لشبه جزيرة القرم دائما أهمية بالغة بالنسبة إلى روسيا الإمبراطورية والسوفيتية وروسيا المعاصرة لأن امتلاكها كان يعني السيطرة على البحر الأسود والمناطق المطلة عليه. ولم تصبح روسيا دولة عظمى بغض النظر عن توسعها إلا بعد ضمها للأراضي المتاخمة للبحر الأسود، بما فيها شبه جزيرة القرم في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، أي في عهد الإمبراطورة الروسية كاثرين الثانية. واختارت بريطانيا وفرنسا بالتعاون مع العثمانيين شبه جزيرة القرم بالذات لإجراء أول عملية إنزال بحري واسع النطاق في العالم في عامي 1856 – 1857 ( حرب القرم) بهدف طرد روسيا من شبه الجزيرة وقاعدتها البحرية سيفاستوبل ومنعها بذلك من حق امتلاك أي أسطول بحري قوي في البحر الأسود. ولم يعتزم الحلفاء آنذاك التقدم إلى عمق روسيا، لكن هزيمة روسيا في معركة سيفاستوبول والقرم منعتها من لعب دور هام في الشؤون الأوروبية على مدى عقدين. ولم تستعد روسيا عظمتها إلا بعد استعادتها السيطرة على القرم وسيفاستوبول بعد انتصار روسيا في الحرب الروسية التركية عامي 1877 – 1878. يجب القول إن الهدف المنشود لقياصرة الروس على مدى قرون كان فرض السيطرة على مضيقي البوسفور والدردنيل بغية ضمان الخروج الآمن لأسطول البحر الأسود الروسي إلى المتوسط. ولو انتصرت روسيا في الحرب العالمية الأولى (أعوام 1914 – 1918) التي خاضتها مع حلفائها فرنسا وبريطانيا وأمريكا لفرضت تلك السيطرة على المضيقين المهمين. لكن ثورة أكتوبر عام 1917 وخروج روسيا من الحرب حالا دون تحقيق ذلك. وكانت القيادة الهتلرية إبان الحرب العالمية الثانية تعلق آمالا كثيرة على القرم بصفتها رأس جسر هام للتوغل إلى آسيا والشرق الأوسط.
وغدت سيفاستوبول بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا فيها قاعدة بحرية مهمة للاتحاد السوفيتي في جنوب البلاد. وكانت جزيرة القرم آنذاك جزءًا من أراضي جمهورية روسيا. أما قاعدة سيفاستوبول البحرية فما زالت قاعدة هامة وإن كانت غير رئيسية. لكن بعد انضمام تركيا عام 1952 إلى حلف الناتو فقدت قاعدة سيفاستوبول أهميتها نظرا لاحتمال إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل من قبل تركيا العضو الحديث في الناتو. وربما كان هذا العامل أحد الدوافع الذي جعل الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي نيكيتا خروشوف يهدي شبه الجزيرة وقاعدتها البحرية لجمهورية أوكرانيا السوفيتية عام 1954. لكن ما زال الروس يشكلون غالبة سكان القرم وخاصة بعد ترحيل ستالين سكانها الأصليين التتار من موطنهم إلى كازاخستان في شرق الاتحاد السوفيتية عام 1944 بمبرر دعمهم للألمان أثناء احتلالهم القرم في أعوام 1942 – 1944. وبلغت نسبة الروس في شبه الجزيرة آنذاك 75% . فيما شكلت نسبة الأوكرانيين عام 1944 في القرم 21% فقط. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي في ديسمبر عام 1991 بقيت القرم أوتوماتيكيا في قوام أوكرانيا بصفتها دولة مستقلة. واضطرت روسيا طوال أكثر من عقدين للقيام بمناورات سياسية لإبقاء أسطولها بالبحر الأسود في سيفاستوبول في القرم، وذلك عن طريق عقد الاتفاقيات مع الحكومات الأوكرانية التي كانت تتغير من وقت إلى آخر. وقد وقعت الاتفاقية الأخيرة من هذا النوع في أبريل عام 2010 بمدينة خاركوف الأوكرانية بين الرئيس الروسي آنذاك دميتري مدفيديف والرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، والتي تقضي ببقاء الأسطول البحري الروسي في القرم لغاية عام 2042 مقابل دفع روسيا مبلغ 100 مليون دولار سنويا وتنزيل سعر الغاز المصدر إلى أوكرانيا بنسبة 30%.
وأمل الناتو والولايات المتحدة بأن يظل الأسطول الروسي مغلقا في البحر الأسود. وكان مثل هذا الوضع يرضيهما تماما، علما أن الوضع القانوني للأسطول الروسي يعتمد على النهج السياسي الذي تمارسه هذه الحكومة الأوكرانية أو تلك. يذكر أن الأسطول الروسي في البحر الأسو يقل قدرة عن الأسطول التركي. لكن التوازن الاستراتيجي في المنطقة ما زال قائما بفضل بعض الأفضليات لدى روسيا. لكن تلك الحسابات الأمريكية انهارت تماما بعد أن اتضح أن الأسطول الروسي في القرم يمكن أن يلعب دورا هاما في حروب إقليمية وخاصة في الحرب الروسية الجورجية عام 2008 والتطورات المتعلقة بالأزمة السورية الأخيرة. أما الانقلاب الأخير الذي وقع في أوكرانيا وصعود القوى اليمينية القومية المتطرفة إلى السلطة في كييف فأثارت قلقا بالغا لدى القيادة الروسية لأن خطورة فسخ اتفاقية الأسطول الروسي في القرم أصبحت واقعا واضحا. وكان ذلك دافعا قويا جعل روسيا تدعم الطموحات القديمة لسلطة الحكم الذاتي الروسي المحدود في القرم إلى نيل الاستقلال وإجراء استفتاء عام بهذا الشأن في شبه جزيرة القرم وفي مدينة سيفاستوبول حيث تشكل الطائفة الروسية نسبة 60% و70% .
المصدر: " RT "
http://arabic.rt.com/news/661827/ :روسيا اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق